بقلم فيصل محمد الشمري
تواجه المنظومة البيئية المتكاملة لريادة الأعمال والابتكار تحديات عالمية، ربما قد يكون أقساها أخيراً الصعوبات والتقلبات الاقتصادية الناجمة عن جائحة «كوفيدــ19»، إذ بادرت جميع الدول بتفاوت، لإطلاق حزمة مبادرات تمويلية وتشريعية وتحفيزية، لضمان استمرارية الكيانات الاقتصادية الناشئة، وتخفيف الآثار الخانقة والصعوبات الجمة المتزامنة مع أعراض التباطؤ الاقتصادي العالمي.
وتعد دولة الإمارات أحد النماذج المتميزة الداعمة لإنشاء كيانات اقتصادية صغيرة ومتوسطة، لما لها من أهمية استراتيجية في تطوير اقتصاد ما بعد النفط، سواء في اقتصاد طاقة المستقبل، أو غيرها من الصناعات والتقنيات المتقدمة، إذ تراهن القيادة على قدرة أبناء الوطن والمقيمين فيه على استثمار المكتسبات الوطنية، لتحقيق نمو مستدام يعزز رفعة الوطن ومكانته المستحقة بين الدول.
ومن أهم المبادرات التي تم إطلاقها باقة المحفزات والتسهيلات المالية التي أعلن عنها المصرف المركزي، والتي ألزم بها البنوك العاملة في الدولة على منح تسهيلات غير مسبوقة، بهدف المحافظة على الوضع الاقتصادي المستقر، وتعزيز النمو رغم الصعوبات الاقتصادية العالمية.
ورغم ذلك، فإننا لانزال نلاحظ محدودية الامتيازات المالية والتسهيلات الممنوحة من قبل هذه البنوك لرواد الأعمال العاملين في الدولة، ما يحتم أن نقترح على القيادات الشابة القائمة على المصرف المركزي، تطوير منظومة حوكمة ومؤشرات خاصة برصد التسهيلات الائتمانية الحقيقية التي منحتها البنوك لرواد الأعمال والمبتكرين في الدولة.
فما نطالعه في الأخبار من قرارات داعمة، تصطدم بأرض الواقع بصعوبات التطبيق، وعدم الالتزام من قبل العديد من البنوك والمصارف العاملة في الدولة، إذ صرح العديد من البنوك بالتزامهم بقرارات المصرف المركزي، ودعمهم لرواد الأعمال بينما على أرض الواقع لانزال نلاحظ صعوبات في التقدم بطلبات الحصول على هذه الامتيازات والتسهيلات، وإثبات الآثار الاقتصادية الصعبة التي تواجهها هذه الشركات والمؤسسات، بما يذكرنا بالروتين الحكومي الذي انقرض تقريباً على أرض الوطن، بينما لايزال يلاحظ في دول العالم الثالث، وبعض القطاعات المصرفية، حيث نأمل إلزامية تطبيق مفاهيم البيانات المفتوحة، ونشر التقارير المصرفية ذات الصلة بالقرارات السيادية المماثلة، ورصد شكاوى المتعاملين، وتشجيع نشرها ومحاسبة البنوك والمصارف غير الملتزمة.
كما نأمل نشر التقارير الخاصة بعدم امتثال بعض البنوك والمصارف لمؤشرات التوطين، خصوصاً في الوظائف الحساسة ذات الطابع الأمني، أو الرقابية، أو ذات الصلة بالائتمان.
كذلك، ونظراً لتحويل ملف التوطين للجهات المحلية، فإننا نتطلع إلى أن يتم التنسيق مع دوائر التنمية الاقتصادية المحلية في إمارات الدولة كافة، بإعداد تقارير خاصة بنسب امتثال فروع البنوك ومقارها الرئيسة (حسب توزيعها الجغرافي بين إمارات الدولة)، ليتم فرض رسوم تخصص لتدريب وتأهيل المواطنين لشغل هذه الوظائف التي نلاحظ احتكارها من قبل جنسيات آسيوية وأجنبية معينة، وهو الأمر الذي يشكل خطراً على الأمن الاقتصادي الوطني.
واقترح أن تكون هذه الرسوم أو الغرامات في العام الأول، وفق ما حددتها لوائح المصرف المركزي، والتي نأمل أن يتم نشر تقاريره الخاصة بـ«البنوك الأكثر امتثالاً»، و«البنوك الأكثر مخالفة»، لتوعية الجمهور بالتزام البنوك بمسؤولياتها الوطنية في ملف استراتيجي وطني مهم هو «التوطين».
كما نوصي بأن تنسق دوائر التنمية الاقتصادية المعنية مع هيئات الأوراق المالية والسلع المحلية والاتحادية المعنية بحوكمة الشركات المساهمة، خصوصاً المالية منها، والمصارف تحديداً، لربط مؤشر «التوطين» بتقارير أداء وامتثال مجالس الإدارة والرؤساء التنفيذيين، وربطها تصاعدياً أو تنازلياً بالمكافآت السنوية، والامتيازات التي يحصلون عليها، بحيث يحصل مجلس إدارة، والفريق الإداري للمصرف «الممتثل»، على الامتيازات المقررة خلال الجمعيات العمومية، بينما يخصم جزء من الرسوم والمخالفات الخاصة بـ«عدم الامتثال» لمؤشرات التوطين المستهدفة، من مكافآت مجالس الإدارة والرؤساء التنفيذيين المعنيين، وبحث إمكانية التوصية في حال تكرار الفشل في تحقيق هذه المؤشرات، بتغيير الإدارة التنفيذية ومجالس الادارة، خصوصاً أننا لانزال نلاحظ تكرار الوجوه والأسماء ذاتها في العديد من الشركات التي نقرأ لها التزامها بمسؤولياتها الوطنية، بينما على أرض الواقع يحاربون التوطين أو يعرقلونه في برامج البنوك القائمين عليها!