البعض يذكر أجهزة «البلاك بيري»، سالفة الذكر ومحاسن برنامج الدردشة (BBM)، ومماطلة بعض الشركات في السماح للأجهزة الأمنية، حق الولوج للرسائل المشفرة، والتي زاد اشتباه إساءة استخدامها، من قبل بعض المجرمين والمتطرفين. كما أن البعض يتذكر قصص القضايا الخاصة ببيع معلومات المستخدمين وبياناتهم أو التلصص عليهم، وصولاً لما عرف قبل أربعة أعوام بتوجيه الناخبين باستخدام برمجيات خاصة وتحليل تنبؤي لشبكات التواصل الاجتماعي.
إن هذا النوع من القضايا والتحديات التقنية، لم يتراجع، بل تزايد أضعافاً مضاعفة. فتحولنا لمجتمع معلوماتي، وتقلص الفجوة الرقمية بكيفية الاستخدام وتزايدها في جوانب التطوير والبحث العلمي والتحليل والرقابة، يدفعنا لأقل القليل، وهو رصد القوانين والعقوبات والغرامات وقرارات المنع التي تصدرها الدول الأخرى، وتحليل مسبباتها، وإمكانية الاستفادة منها، لتقليل الأضرار أو زيادة المنافع. فمن قرار الهند، ثاني أكبر سوق رقمية في العالم، بحجب ما يزيد على 175 تطبيقاً تعود لشركات من دولة مجاورة وقوة اقتصادية هائلة، أتبعوه بحجب آخر لـ45 تطبيقاً آخر، هل ذلك يعود لحرب اقتصادية قادمة، ساحتها لن تكون في ميادين تقليدية، بل أسواق وتطبيقات رقمية، أم سيادة اقتصادية ورغبة في إثبات وجود وكيان مؤسسي لأحد أكبر الأسواق الرقمية في العالم، مع ما يزيد على مئات الملايين من المتعاملين.
إن هذا التناحر الرقمي الرقابي يذكرنا بتهديدات أميركية مماثلة بشأن برنامج صيني آخر، لم تكتفِ الحكومة الأميركية بإجبار الشركة على حفظ البيانات داخل النطاق الجغرافي السيادي الأميركي وحسب، بل أجبروا الشركة المالكة على بيع حقوق تشغيل التطبيق وملكيته لشركات أميركية.
إن هذه المخاوف السيادية، دفعت وزارات الداخلية ببعض الدول الأوروبية لاستثمار مئات الملايين لدعم وتسويق وتطوير أنظمة تشغيل مفتوحة المصدر، مثل «لينكس»، وبدائل للتطبيقات المكتبية سهلة الاستخدام لمواجهة هذه المخاوف.
إن هذه الوقائع تتطلب نظرة غير تقليدية مشتركة من كل الجهات المعنية، سواء مزودي خدمات الاتصالات أو هيئة تنظيم الاتصالات، أو الأجهزة المعنية، ونثق بأنهم مطلعون ومتابعون لهذه التحديات، فهي تحديات غير تقليدية، تتطلب استجابة استثنائية، مقرونة بالجهات المعنية بحماية المستهلك وكذلك وزارة الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي، فهذا ميدانهم. ويجب على شركتنا التقنية والاستثمارية تطوير شراكاتهم التقنية وتواجدهم، فالسيادة الرقمية لا تقف عند تصنيف للخدمات أو نطاق رقمي محجوز، بل هي أبعد وأشمل من ذلك.
ويأتي قرار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، بإنشاء مجلس للأمن السيبراني في الدولة، يختص بإعداد سياسات وتشريعات لتعزيز الأمن السيبراني ورفع جاهزية كل القطاعات للاستجابة، ليعكس حجم الدعم القيادي لتعزيز الأمن الرقمي، فكما قال سموّه:
«أمن الوطن اليوم في الفضاء الرقمي لا يقل عن أهمية أمنه في الفضاء الجغرافي»، فالسيادة الرقمية لا تقل أهمية عن السيادة الجغرافية المادية.