بقلم الدكتور سيف الجابري
الاصطفاء ظاهرة كونية رائعة، نراها في كل شيء؛ فهناك الألماس صفوة الأحجار، والذهب صفوة المعادن، والحرير صفوة القماش، والعسل صفوة الشراب.
هذه الظاهرة الرائعة نجدها في البشر أيضاً، فهناك عينات متميزة؛ تخلق بمواهب، وتُحبى بقدرات، وتزود بملكات خاصة حباها الله بها لتنهض بالبشرية، وتقوم بسنة الاستعمار والاستخلاف، وترتقي بالبشرية صعوداً في دوراتها، وتصحح سيرها إلى مقصدها.
وهذا ما أرشدنا إليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، عندما أظهر مواهب الصحابة، كزيد في الفرائض، ومعاذ في الحلال والحرام، وابن الجراح في الأمانة، وأرشدنا صلى الله عليه وسلم إلى تولية الأكفاء، ووضعهم في مكانهم الصحيح، ومنصبهم المناسب، وعدم محاباة ذوي القربى أثناء التولية.
وتتنوع هذه المواهب لتغطي جوانب الحاجات الإنسانية كافة، فمنها مواهب فكرية، ومواهب أدبية ونفسية، واجتماعية، وحتى المواهب الفنية والجمالية.
إن ارتقاء الدول ونهضتها العمرانية، ورخاء معيشتها، وسعادة أبنائها، تعتمد على حسن استثمار هذه الطائفة من البشر، والعناية بهم، وتسخير إمكانات الدول لصقل مواهبهم، وتنمية قدراتهم، فالدول لا ترتقي إلا باستثمار المواهب، والبنيان لا يكمل إلا بالعناية بالمتميزين، فالتميز والمنافسة والعالمية والعزة والكرامة.. رايات يحملها الموهوبون في كل أمة ونسل.
ومن ما يبدو واضحاً ما تبذله دولة الإمارات العربية المتحدة من جهود كبيرة في خدمة وتطوير عوامل نجاح الشباب، خصوصاً الموهوبين، بتوفير الاحتياجات كافة لصقل مواهبهم، وتنمية قدراتهم، حيث إن تخصيص سلم وصول إلى قمة العطاء والعمل من أصحاب الأفكار النيرة والابتكارات العظيمة، يحتاج إلى تفاعل تكاملي بين مختلف الجهات الرسمية وشبه الرسمية والخاصة.
إن رؤية قادة الدولة المستقبلية وطموحات أهل الشأن فيها كبيرة، تتوازى أو تفوق طموحات الدول المتقدمة؛ نرى ذلك جلياً في الخطوات الجريئة التي تشارك فيها، كمسبار الأمل واكتشاف المريخ، ولا ننسى رائد الفضاء هزاع المنصوري، الذي حقق حلم الدولة في هذا المجال، وأثبت أن تحقيق الطموحات والأحلام يصبح حقيقة في ظل قيادة واعية، محيطة بالواقع العالمي، ومستقبل التقنيات العلمية.
هذه الاستراتيجية يجب أن يشارك فيها الجميع، مواطنين ومقيمين، على هذه الأرض الطيبة، بالآراء والمشروعات والقدرات المادية والمعنوية، فيد الله مع الجماعة. كما يجب أن يسخر الجزء الأكبر من الموارد في خدمة العلوم التطبيقية بطرق أكاديمية، ودراسات منهجية، وبناء مراكز البحث العلمي القائمة على أسس صحيحة وأهداف واضحة.
ولعله من المفيد للمستقبل، في ظل منطلقات الدولة إلى 2071، إنشاء أكاديمية شاملة لتطوير مهارات الموهوبين وصقلها، على أن تكون حاضنة لكل ما يقدمونه، وتكون لها إدارة فاعلة من أهل الاختصاص والخبرة للتطوير الأكاديمي.