المرصد | عواصم
بألوانها الزاهية وتصميماتها المبتكرة التي تحاكي مشاهد من أفلام هوليودية، تجتذب آلات القمار في سيدني – والتي تضم ثاني أكبر عدد منها في العالم بعد لاس فيغاس – مئات الآلاف من الأستراليين ومن بينهم المهاجرون الذين ينزلقون إلى هذا المستنقع إما لشعورهم بالوحدة أو استجابة لدعوات أصدقاء لا يرون في المقامرة سوى “تسلية وتضييع وقت”.
وأظهرت أرقام حكومية أن أرباح شركات المقامرة من هذه الآلات التي يطلق عليها الأستراليون اسم Pokies بلغت 2.17 مليار دولار في الفترة الواقعة بين حزيران يونيو 2020 وحتى تشرين الثاني نوفمبر من نفس العام.
مصطفى المبيض – أحد أبناء الجالية العربية – روى قصته مع المقامرة لأس بي أس عربي24: “عندما وصلت هنا شعرت بالوحدة. أعلم أن أستراليا جميلة ولكن بمجرد أن ينتهي يوم عملك تعود إلى المنزل ولا تجد شيئاً ليشغل وقتك.
لم يكن مصطفى يعلم أنه سينزلق إلى فخ المقامرة عندما وصل إلى سيدني في عام 2003، ورغم وجوده في منزل شقيقه إلا أن بدأ يتردد على النادي المجاور ليقضي وقتا مع الأصدقاء يؤنس خلاله شعوره بالغربة في الوطن الجديد.
“لم أكن أعلم ما هي آلات القمار. كنت أرى الناس تضع 50 أو 100 دولار وتربح المال، كنت أظن أنها لعبة”، كان هذا الانطباع الأول لمصطفى وشيئاً فشيئاً بدأ الفضول يتسلل إلى قلبه قبل أن تتملك منه البوكيز تماماً وتعزله عن محيطه الاجتماعي.
كان يعمل مصطفى في مجال التبليط والحديد ولذا كان دخله الشهري مرتفعاً. لم يكن متزوجاً عندما بدأ فيه المقامرة وقال لنا أن خسائره خلال السنوات السبع التي كان عالقاً فيها في شباك المقامرة، ناهزت المليون دولار أسترالي.
ومع ازدياد ولعه بماكينات القمار، ترك مصطفى عمله: “تركت البلاط لانه يتضمن الكثير من التواصل مع الناس. تفرغت تماماً للمقامرة. كنت أنفق أحياناً أكثر من 5000 دولار خلال ساعات وبمعدل وصل إلى 30 ألف دولار شهرياً.”
بعد مرور عامين على هذا المنوال، بدأ الوضع المادي لمصطفى يتدهور بشكل سريع ولم يعد بمقدوره دفع ايجار المنزل وعلى نحو دفع بشقيقه لزيارته في النادي أكثر من مرة لمحاولة ثنيه عن الاستمرار نفس الطريق الشائك الذي لا يقود سوى لتفكك العائلات وتشريد الأبناء.
لحسن الحظ، قرر مصطفى طلب المساعدة من المجلس العربي الأسترالي حيث التقى هناك بخبير التخطيط المالي وعلاج الإدمان على المقامرة، د. حشمت شهيد، وتمكن بالفعل من التخلص من هذه الآفة والتركيز على مستقبل أبنائه.
تحدثنا أيضاً للدكتور حشمت والذي اعتبر أن أهم خطوة في العلاج هي تخلص الشخص المعني من الشعور بالإحراج من طلب المساعدة: “على الإنسان أن يتحرر من وصمة العار ويطلب المساعدة. خلال الجلسات العلاجية نرفع وعي المدمن بأضرار المقامرة وندعم الإرادة لدى الأشخاص الراغبين بالإقلاع عن المقامرة.”
واستحوذت مناطق في غرب سيدني – المعروفة بكثافتها السكانية متعددة الثقافات – على حصة كبيرة من اجمالي خسائر المقامرين، ففي ضاحية Fairfield بلغ مجموع خسائر مستخدمي الـ pokies حوالي 197 مليون دولار، وفي المقابل بلغت أرباح الشركات المشغلة لآلات القمار Canterbury-Bankstown زهاء 187 مليون دولار تبخرت من جيوب المقامرين.
ويرى د. شهيد أن الأسباب وراء انزلاق المهاجرين إلى المقامرة كثيرة ومتعددة: “نحن كمهاجرين اجتماعيون بطبعنا ونحن التواصل مع الأصدقاء والجيران. من الممكن أيضاً ألا يجد المهاجر عملاً أو يعوقه حاجز اللغة عن الاندماج في المجتمع. كل هذه الأسباب قد تدفع باتجاه لجوء الأشخاص إلى المقامرة.”